إبراهيم عبد علي بيضون

[نوارة الحرة]

نبذة عن حياة الشاعر:

ولد الشاعر الدكتور إبراهيم الحاج عبد علي بيضون في بنت جبيل في 5 شباط 1933. وترعرع في أحضان أسرة كادحة حيث كان والده يبحث عن رزق عياله بائعاً متجولاً بين بنت جبيل وفلسطين والجولان. كان الشاعر الصبي الوحيد بين أربع شقيقات، وكمعظم العائلات العاملية آنذاك كان الوالدان لا يعرفان القراءة والكتابة ولكنهما كانا متحمسين لتعليم الأبناء.

بدأ الشاعر تعليمه في بنت جبيل فختم القرآن في الكتـّاب. ثم انتقل إلى المدرسة الرسمية وبقي فيها حتى نال الشهادة الإبتدائية. وبعد نيل هذه الشهادة بدأ المأزق الكبير: أب فقير عاجز عن إرسال إبنه إلى حواضر العلم وإبن طموح وموهوب يرغب في متابعة تعليمه!

وربّ مصادفة خير من ميعاد! فقد ذهب الوالد لزيارة أحد أصدقائه في قرية "رميش" ليشكو له همه لجهة تعليم إبنه الوحيد، فتذكر الصديق وجود مدير معهد "مشموشة" في زيارة لرميش وكان راهباً. فاقترح الصديق على الوالد مقابلة الراهب وعرض الموضوع عليه عله يجد عنده الحل. قبل الراهب دخول الإبن إلى معهد مشموشة لإكمال تعليمه على أن يدفع الوالد القسط المخفض جداً على راحته! بقي الشاعر في المعهد ثلاث سنوات ونال بعدها الشهادة المتوسطة بفرعيها العربي والفرنسي.

عام 1951 عين مدرساً في مدرسة "يارون" الرسمية وظل فيها لمدة سنتين، كان يذهب خلالها إلى مركز عمله سيراً على الأقدام أو على ظهر دابة إذا توافرت. ثم نقل إلى مدرسة بنت جبيل الرسمية حيث كان يدرّس شتاء ويتعلم صيفاً في بيروت و"عاليه" و"حمانا" إلى أن نال شهادة الفلسفة وشهادة دار المعلمين الإبتدائية.

وفعل الحظ فعله مرة ثانية حيث عاد من المهجر أحد أقربائه المغتربين وهو الحاج ابراهيم البيطار الذي قدم له منحة لدراسة الطب في فرنسا. وبعد ثماني سنوات عاد الشاعر من فرنسا إلى مسقط رأسه بنت جبيل حاملاً شهادة في الطب العام وبرفقة زوجته الفرنسية "جائين" وولديهما فيليب ومريم، وذلك عام 1964.

فتح عيادة في بنت جبيل وأخذ يستقبل المرضى ولكنه لم يكتف بذلك بل عمل جاهداً على نشر الوعي الصحي في المنطقة من خلال المساهمة الفعالة مع الهيئات والمنظمات الشعبية والرسمية. وبعد سنتين انتقل إلى بيروت وفتح عيادة في حي شعبي في محلة "النبعة" وبقي فيها حتى بدء الحرب الأهلية عام 1975 حيث أجبرته الظروف الأمنية الصعبة على ترك لبنان والبقاء في فرنسا حيث مارس مهنته هناك بنجاح.


رحلته مع الشعر:

بدأ نظم الشعر في العاشرة من عمره واهتم به إلى جانب دراسته، خصوصاً في معهد مشموشة وقد تنبأ له أساتذته بمستقبل شعري لامع. القصيدة الأولى التي نظمها كانت في بلدته بنت جبيل ومطلعها:

أيا بنت جبيل كفاك نوماً فقومي وانهضي نحو المعالي
دعي حزب السياسة وانظريه بعين صابها داء الوبال

وبعد نكبة فلسطين عام 1948 وإثر حادثة أليمة تعرضت لها إحدى العائلات الفلسطينية وملخصها: لجأت عائلة فلسطينية إلى بنت جبيل سيراً على الأقدام هرباً من المجازر الصهيونية بحق المدنيين الآمنين وقد وصلت الأم وأولادها وبقي الأب يدافع عن الأرض. ولما طال غياب الأب، ذهبت إحدى بناته لرؤيته وللإستفسار عنه. وعندما حلّ المساء ولم تعد، خرج أهالي بنت جبيل للبحث عنها على طريق يارون-رام، على الحدود اللبنانية الفلسطينية، فعثروا عليها ميتة على حافة بئر. وقد أنشد الشاعر في ذكرى أسبوعها الأبيات التالية:

وهناك حيث ينام والد ها مضت أحشاؤها
تشتاق روح أب تعا نقها ونضب ماؤها
قبل العناق فتنثني والعين سـُدّ فضاؤها
وتموت وهي تقول هـ ذا للنشيد وفاؤها
والموت أحرى بالذي هانت عليه دماؤها

وللشاعر أعمال غزيرة في أغراض الشعر المتنوعة يستعد لنشرها في ديوان بعنوان "عَوْدٌ إلى العيون"، و"نعماك بنت جبيل" واحدة من قصائده.

لكن الموهبة الشعرية المتألقة لم تتوقف على اللغة العربية وحدها بل انفجرت باللغة الفرنسية أيضاً. وقد صدر للشاعر ثلاثة دواوين وهي:

"Quelque annees plus tard" أي "سنوات مضت"، وهو عبارة عن شوق وحنين إلى الوطن الأم. وقد صدر عام 1993.

"Regards et Transcendance" أي "نظرات وتصاعد"، وهو مشاهد من حياة الشاعر الطبيب وارتفاع عن السطح وتحليق عبر الرؤيا إلى الأعالي. وصدر عام 1996.

"Un Cedre Sur Le Rhone" أي "أرزة على نهر الرون"، وهو تبشير بالعودة إلى الوطن الأم محرراً من براثن الإحتلال الصهيوني وفيه دعوة إلى الآفاق الإنسانية الرحبة وغنائية شفافة تحدو بالأمل والتفاؤل. وقد صدر عام 1998.


*المصدر: "بنت جبيل الشاعرة" للدكتور رامز الحوراني – 2001